كيف أحبت القديسة فيرونيكا جولياني الألم والتكفير منذ الصغر؟
لم تكن فضائل المحبّة والإحسان هي وحدها التي برعت فيرونيكا الصغيرة باقتنائها، لكن كان لديها أيضاً قدرة ورغبة مدهشة وغير اعتيادية في التألّم، التي اضطرمت في داخلها بالشكل التالي:
في إحدى المرّات، بينما كانت تصلّي أمام صورة العذراء القديسة والطفل يسوع، سمعت هذه الكلمات من الطفل الفادي: “يا عروستي، الصليب ينتظرك”. اعتقدت القديسة الصغيرة في قلّة خبرتها أنّ ذلك تحذيراً للحفاظ على علامة الخلاص المقدسة من كل فعل استخفاف وقلّة احترام. وبالتالي كلما كانت تجد في البيت او في الحديقة قطعة خيط او قشّ وُضعت عن طريق الخطأ في شكل صليب، كانت تلتقطه بخشوع وتضعه في عُلبة خاصة لئلا يدوسها أحد عن غير قصد.
لكن عندما سمعت عن حياة القدّيسين (كانت أمها معتادة ان تقرأ سير القديسين وجعل هذه الدراسة المقدّسة نوعاً من النشاط التربوي والترفيهي لبناتها)، أدركت الطفلة فيرونيكا باستنارة علوية، المعنى الحقيقي لكلمات الرب يسوع الغامضة تلك، وعزمت أن تطيع الوصيّة التي تحملها تلك الكلمات. كانت في الثالثة من عمرها فقط عندما تأثرت من قصص معاناة القديسين، خصوصاً أولئك الشهداء الذي واجهوا النيران من أجل يسوع المسيح. اضطرم قلبها بمثل هذا التوق المندفع لتقليدهم فركضت نحو وعاء فيه فحم مشتعل ووضعت يديها بداخله، ولم تشئ سحبهما إلى أن استرعت الرائحة سكّان البيت: “لا أتذكّر تماماً، لكني أعتقد أنني لم أشعر بألم الحرق في تلك اللحظة. وقفت هناك في حالة مؤقّتة من الشرود، سعيدة جداً بالحال الذي كنت فيه. لاحقاً، شعرت بالألم في أصابعي، التي تقلّصت. بكى الجميع، لكني لم أذرف دمعة”.
في عامها الرابع، عند سماعها أن القديسة روز من ليما اعتادت جلد نفسها باستمرار، ولعدم معرفتها كيف بالتحديد يمكنها القيام بالشيء نفسه، قامت بعمل عُقد كثيرة بحبال مئزرها، ثم كانت تختبئ خلف باب، تخلع المئزر، وتجلد نفسها بواسطة حباله المعقودة. في احد الأيام لاحظت والدتها فعلها ذلك، فشعرت فيرونيكا الصغيرة بخزيٍ شديد، لأنها تعلم أن القديسة روز التي كانت تحذو حذوها حرصت أشدّ الحرص على إخفاء هذه الممارسات عن أعين الجميع.
سمعت من أمّها أيضاً عند قراءتها عن القديسة روز، أنها سحقت يوماً إصبعها بواسطة غطاء صندوق كبير، كفعل تكفير، بالرغم من أن الألم الذي تلى ذلك كان شديداً، إلا أنها لم توافق على تلقّي اي علاج. لكي تُلبّي رغبتها في التألّم اشتهت أورسولا الصغيرة أن تقتدي بها، لكن قلبها لم يطاوعها. مع ذلك، سمح الرب بوقوع الحادث التالي: تمّ سحق يدها عن طريق الخطأ بين الجدار والباب الذي أغلقته إحدى أخواتها دون انتباه. شعرت اختها بالهلع ولامت نفسها، فصرخت: “لقد قتلت أورسولا”، أما أورسولا فكانت على العكس من ذلك، دون أدنى انفعال، ناشدت أختها أن تهدئ نفسها، وأن الجرح بسيط بالرغم من أنه كان ينزف بغزارة.
لكن كما أضافت القديسة في يومياتها: “عند رؤية أختي هذه الكميّة من الدم، بقيت تصرخ بصوت مرتفع، بينما من جهتي، شعرت بسعادة لمشاركتي بمعاناة القديسة روز. لكني حزنت إذ أصرّوا على تضميد الجرح، على الرغم من أنني كنت أفضّل المعاناة من غير الحصول على اي علاج، على مثال القديسة المباركة”.