طفولة القديسة فيرونيكا جولياني

4٬963

فيرونيكا جولياني

حياة القديسة فيرونيكا جولياني

الجزء الأول – الطفولة

وُلدت في ميركاتلو في 27 ديسمبر/كانون اول 1660 من ابوين إيطاليين، والدها فرنسوا جولياني، كان ذا شخصية مرموقة مُميزة بالذكاء وبطموح قاده ليصبح ذات يوم ناظراً المالية دوقية “بارما”. أمها بنوات منشيني، زوجة عميقة التقوى، كانت تسهر بغيرة على نفوس بناتها السبع (اثنتان مُنهنَ توفيتا بسن مُبكرة). كانت تبث فيهُنَ النفور من كل ماهو عالمي؛
آه، كما أننا بحاجة اليوم إلى أمثال هذين الوالدين!
عُمـدت أورسولا الصغيرة، في اليوم التالي لولادتها: لابكاء، لا صراخ، بل هدوء طوباوي. إن طبعها الحيوي ملأ المنزل فرحا وحياة. كانت تلعب، تركض، تبكي، تحتد….. ستقول عن ذاتها في [اليوميات]: كنت الاصغر، لكنني كنت أبغي أن أكون فوق الجميع، وكنت أرغب بأن يعملنَ جميعهنَ بحسب ذوقي. وبالفعل كـُن يرضينني في كل شيْ…. وكان الجميع يدعوني لهيباً”.

رغـم حيويتها وطبعها المتأجج كانت تائقة بكليتها إلى الله. كانت تـُحب أن تلعب في بناء المذابح، مُمضية في ذلك ساعاتِ طوالاً. منذ سن مبكرة كان الله يُحضّر هذه الطفلة لتحقيق هدفه ومشيئته في العالم. غالباً ما كانت أورسولا الصغيرة تصر على أخذها الى القرب من صورة للعذراء مريم والطفل يسوع، حيث كانت تقول، “أنا لك، وأنت كلّك لي، يا يسوعي الحبيب!” عند نطقها بذلك فأنها سوف تسمع رداً من الطفل يسوع، “أنا لك، وأنتِ لي!” وكان الطفل يسوع يظهر لها مراراً وهي تلعب وسط حديقة البيت قائلاً لها: “أنا هو زهرة الحقول”.

فاعتادت ان تقطف من الحديقة أجمل الزهور وتضعها أمام لوحة الطفل يسوع ومريم العذراء. عند ذات اللوحة كانت تُقدّم طعامها للطفل يسوع: “تعالَ، خُذْ إن لم تأكل، فلن آكل أنا أيضًا”. ومن ثمّ تتوجّه نحو العذراء: “أيا مريم، أعطني إيّاه، أستحلفك بذلك، أعطني إيّاه، لا أستطيع أن أحيا دونه. سأغذّيه كما لو كنتِ أنت”. وبالفعل ناولتها إياه العذراء القديسة بحيث أضحى حيًّا بين يديها بضع مرّات. وقد قال لها مرّة: “سوف أكون فعلاً عريسك”، ثمّ خاطب أمّه الإلهيّة: “هذه أورسلتنا! ستكونين أمًّا ومرشدة لها”!

منذ سن مبكرة إكتسبت أورسولا معرفة تفوق سنوات عمرها وقلباً مليئ بالحب للجميع، ولكن بالأخص للفقراء جسديا وروحيا على حد سواء . عندما طلب يوماً رجل فقير بعض الأحذية أعطته أورسولا زوجاً جديداً من أحذيتها، وبعد سنوات عديدة في إحدى ظهورات يسوع لها قال لها مشيراً الى عطفها على المتسوّل هذه الكلمات، “ها هو الحذاء الذي قدمته لي عندما كنت طفلة صغيرة، لقد كنتُ أنا الشحاذ! ” كانت تلك واحدة فقط من العديد من الحالات التي أظهرت أورسولا حبها للفقراء والمعوزين. وكان لها أيضا حبّاً كبيراً ومتفانٍ في نشر حب يسوع من خلال آلامه التي احتملها في حبّه للخطأة.

أخذت تعتاد على التضحية: إماتة الحشرية تجلت في عدم النظر إلى الأباطيل؛ إماتة اللذة تجلّت، مثلاً، عندما طلب منها يسوع أن تعطي الفقراء كيساً من الحلوى: ذاقت إحداها، فشعرت على الفور أنها اقترفت خطيئة الشراهة، فقررت التكفير عنها؛

تجلى باكراً في حياتها ما هو فوق الطبيعة البشرية. من علاماته:

1- رفضها للحليب الأمومي أيام الأربعاء والجمعة والسبت وهي، في الحقيقة الأيام المكرسة تقليدياً للإماتة.

2- انزلاقها من ذراعي أمها وهي في الشهر الخامس من عمرها، ثم تهافتها نحو صورة الثالوث الأقدس المعلقة على الحائط في يوم عيد الثالوث، وركوعها أمامها منتشية.

3- تأنيبها لبائع زيت غشاش، في السنة الثانية من عمرها، وقولها له: “اقم العدل! الله يرانا!”

4- ظهور الطفل يسوع لها وهي تلعب وسط حديقة قائلاً لها: “أنا هو زهرة الحقول”.

5- كم من مرة حملت الطعام إلى الطفل يسوع في لوحة يُرى فيها تحمله العذراء: “تعال، إن لم تاكل، فلن آكل أنا ايضا” ومن ثم تتوجه نحو العذراء: “ايا مريم، أعطيني إياه، أستحلفك بذلك”. وقد اضحى حيا بين يديها أكثر من مرة. قال لها:” سأكون عريسك”، ثم خاطب أمه الإلهية: “هذه أورسولتنا! ستكونين أماً ومرشدة لها”!

6- رؤيتها الطفل يسوع مرات عديدة في القربانة المكرسة، وهي في سنواتها الأولى، وشعورها بعطر يخرج من افواه أخواتها بعد المناولة: “آه لرائحتكنَ العَطرة.”

وفاة والدتها
توفّيت والدتها وهي في الخامسة من عمرها، فجاء الكاهن يحمل إليها الزاد الأخير.
فصرخت الطفلة: “أريده أريده!”. “إنّه لأمّك”، قال لها الكاهن بجديّة. فألحّت الطفلة: قطعة صغيرة فقط وسآخذه بأكمله، شأن أمّي”. استمع الجميع للاّهوتيّة الصغيرة، وقد أبْكَمَهم الذهول.
وقبل أن تسلم الروح، عانقت أمّ أورسولا بناتها الخمس، موصية إيّاهنّ بتنمية وتهذيب الحبّ الإلهيّ فيهنّ، وخصّت كلّ واحدة منهنّ بإحدى جراحات المخلّص. واستبقت لأورسولا جرح الجانب الأقدس. يا للرسم الإلهي: سوف تسكن أورسولا فعلاً في قلب يسوع.
 
في الثاني من شباط 1670، وبعد انتقال العائلة إلى بياشنـزا، اقتبلت أورسولا المناولة الأولى وهي في سنتها العاشرة. لم تستطع النوم في الليلة السابقة. كان يتردّد في داخلها دويّ صوت عذب: “أنا هو! أنا معكِ! أحسّت نار أحرقتها بعد المناولة. فلمّا وصلت إلى المنـزل، سألت بسذاجة أخواتها: “كم من الوقت نحترق؟”
لكنّ الناحية الأبرز منذ ذلك الحين هو حبّها للألم. فقد كان يُتلى في البيت حياة وأعمال القدّيسين. تُقرأ ويُقْتدى بها. فصدى عمليّات جَلْد أخواتها كان يطال أذنيها.
حبّها للألم الخلاصي
كانت القدّيسة روزا من ليما، قد سحقت طوعًا إصبعًا من أصابعها، أمّا أورسولا فقد سحقت أصابعها مجتمعة، بينا كانت إحدى أخواتها دون علم منها، تغلق الباب بعنف.
فنفرت الدماء… لم تهتمّ أورسولا بالأمر؛ أسرع الطبيب الجرّاح يعمل المِبْضع في اللحم. “لماذا تعتنون بي؟ يجب أن نتألّم”! قالت الطفلة.
كانت رغبتها أن تقضي حرقًا على خطى العذارى الشهيدات! ها هي تُدخل يدها في مجْمرة متّقدة. وقد تمّ إنقاذ اليد في اللحظة الأخيرة بوصول إحدى أخواتها.
“يجب أن نتألّم” كانت تردّد. فبعد أنّ دعاها، من خلال العائلة، لتُضحي ذبيحة، ها هو يسوع يظهر لها مصلوبًا، مُثْخنًا بالجراح الدامية:
“أنتِ عروستي، شريكتي في التكفير: الصليب ينتظرك”.

أخذت تعتاد على التضحية، وإماتة اللذة والأباطيل. فإماتة اللذة تجلّت عندما طلب منها يسوع أن تعطي الفقراء كيسًا من الحلوى، ذاقت إحداها، فشعرت على الفور أنّها اقترفت خطيئة الشراهة، فقرّبت التكفير عنها. أمّا إماتة الأباطيل، فقد تجلّت فيها عندما ابتيع لها حذاء جديد، وقد جاءها فقير يطلب الحسنة حُبًّا بالله، فتذكّرت الطفلة كلمات يسوع.. فأهدته الحذاء… وقد علمت لاحقًا بأنّ المتسوّل كان يسوع نفسه.

مواضيع ذات صلة