القدّيسة فيرونيكا تدخل صرح الصليب العاري وتعانق الصليب

1٬259

الفصل الثالث
مشهد الجلجلة : صرح الصليب العاري

مشهد الجلجلة العظيم هو صلب المسيح. وسيكون لفيرونيكا وسمها. ولكن سيسبق هذه السمات عمل كبير من التطهير السلبي والاحتفال بالاعراس السرية.

ولِنَيلِ شرف السمات، على الضحية أولاً أَن تلج صرح الصليب العاري.

لنا أن نسأل بالمناسبة: كانت فيرونيكا متعبدة للقديسة «تريزيا». والقديسة تريزيا، كما نعرف، كانت متعبدة لفيرونيكا الأولى، كما فيرونيكا هذه. ولكن هل كانت تعلم بالمؤلَّف الشهير الذي وضعته المعلمة الكبيرة لرهبانية الكرمل والمدعو «صَرْحِ النفس»؟ الأرجح أنَّها لم تعلم به، لأنه يبدو أن إدارة الدير حينها كانت ضحيَّة الرأي السائد آنذاك، فتحذر جداً التصوف خوفاً من أن يأتي مغلوطاً. وبما أن القديسة ربيت في هذا الجو وربما تأثرت به. فهي لم تعط مبتدئاتها سوى كتب حول التقشف. لقد وصفت القديستان قصراً روحياً؛ وكلتاهما قد تقاربتا، إن لم يكن باختيار الصور، فأقله بالعقيدة التي عَبَّرتا عنها. صفحات فيرونيكا مشرقة. ولكن ألا نرى أنفسنا ملزمين أن نُقَدِّم للقارئ خلاصة باهتة فقط؟

قد رأت هذا القصر في رؤيا سماوية فوصفته. يرتفع في الأجواء. فلِنَبْلُغَهُ علينا أن نتخلَّى عن كل شيء في هذه الدنيا. إنّه قصر يرتفع داخل النفس، لكنه حميم لدرجة أن الدخول إليه يتطلب الخروج من الذات.

إنه مبني من حجارة منفصلة عن بعضها البعض وموسومة كلها بعلامة الصليب، ليدل بذلك على أنه يستقبل فقط التائبين الذين مارسوا الإماتة الشاملة.

يبقى مفتوحاً على جميع الجهات ليدلنا بأنه سيصبح ملجأ للحيوانات المتوحشة وموعداً للشياطين المزمجرة.

إنه قائم في الفضاء ليرينا ان التطهيرات المؤلمة ستتضاعف، وان الصليب سيُعانق، بعد جهد طويل، تحت القباب السوداء التي تهدّد بالخراب. هوذا الصليب العاري اخيراً. إنه الإنسان العاري من كل شيء: هو الجسد بلا قوى، العقل بلا نور، الذاكرة بلا ذكريات، الإرادة الحسّية بدون انطلاقة، القدرات العاجزة عن ضبط شؤونها. هي، نوعاً ما، النفس دون ذاتها.

سعدًا للنفس التي تلج هذا الصرح وتجد الصليب العاري وتعانقه! ها هي مكتسبة بالحسب والصليب أضحى عرش اللذائذ، والصرح جنّة لذيذة.

وافقت فيرونيكا على ولوج الصرح فاعتزلت الأرض وانفصلت عن ذاتها، فأعملت سكّين الإماتة في حواسها وفي قدراتها، وواجهت اضطهاد البشر واضطهادات جهنّم، فانتصرت عليها بالصبر. وافقت على العيش، في موت شامل بدون أن ترى أو تشعر. فقادها يسوع إلى قلب الحصن ورأت إلهها يتوارى ويتركها وحدها في الكآبة والظلمة. هناك صرخت ببطولة وشجاعة: «يحيا العذاب النقي! يحيا الصليب العاري!» فإذا بها تعانق الصليب فجأة وإذا بالصليب يتحوّل، بلمحة بصر، ليصبح عرشاً للأفراح، والصرح جنّة من الملذات، وذلك لكونها هي نفسها قد استحالت إلى حب.

المجد لصرح الصليب العاري! هناك ستحتفل فيرونيكا رسمياً بأعراسها السريّة مع عريس الدم. وهناك أيضاً ستنال امتياز السمات الذي هو امتياز يُوهَب للعرائس الملكات فقط.

إن السمات تتطلب بالضرورة مراحل تطهير سابقة. وستتواصل أيضاً تلك التي بدأت في الصرح. فقد حان تطهير الصوم الكبير.

مواضيع ذات صلة