الرب يسوع يطلب من القدّيسة فيرونيكا أن تمتنع عن الطعام ويصبح القربان الأقدس غذاءها الوحيد

2٬112

الفصل الرابع مشهد الجلجلة:
الصوم الكبير

كان ذلك في 20 آذار سنة 1696، بعد أن تناولت فيرونيكا القربان، خاطبها الرب فأوصاها بأن يكون طعامها، من الآن فصاعدًا، جسده المقدّس فقط. ومع ذلك فقد لاقى هذا الأمر مقاومة من قبل السلطة، فأوصاها عندئذٍ بأن تكتفي بالخبز والماء.

وكانت قد نالت إذنًا بأن تبقى أيامًا كاملة بدون طعام، على أن تتناول حساءً في باقي الأيام غير كافٍ لحفظ حياتها بحسب شهادة الأطبّاء. منذ صغرها تشمئز من الخبز الجاف حتى أنها لا تستطيع هضمه. لقد نفر طبعها من ذلك، ولكنها ستُنفّذ بشجاعة ما وعدت به، بإذن الرؤساء.

وقد حدّث الأب “كابيليتي” وهو من الرهبان الوعّاظ وقد كان مرشد الدير، إخوته ثم سيادة المطران بهذا الشأن، فرأوا جميعهم أن يقاوموا رغبتها. فراحوا أبعد من ذلك إذ أمروها بأن تأكل ما لم يظهر أبدًا على طاولة الكبوشيات: اللحم والمرق، ولكنها كانت تتقيّأه بتشنّج هائل. فازدادت آلامها إذ كان الرب يوميًّا يوبّخها على مخالفتها الطاعة. فتنهّدت وقالت: “يا رب، أبدِل قلوب ممثّليك”.
وراحت تلجّ عليهم، فأجابوها بمنعهم عنها كل توبة وتكفير. وأحدهم ذهب إلى أبعد من ذلك إذ قال لها بكل قساوة بأنها ألعوبة روح جهنّمية. ومع ذلك أدركوا أخيرًا بأن تلك هي إرادة الله، وفي الثامن من أيلول أتت الموافقة على طلباتها.

شعرت فيرونيكا، لهذا النبأ، بأن قلبها يخذلها، ولكنها مستعدة لتنفيذ الأمر الإلهي.

لقد اجتاح الغضب الدير. وكانت الأم “جرترود ألبيزيني”، التي طالما انتابها شكوك حول قدّيستنا، قد استعادت مسؤولية الرئاسة: فكيف ستُهدّئ روح النقمة؟ لقد اتُّهمت الصائمة بالأنانية والتكبّر، وذهبوا إلى الإعتقاد بأن بها مسًّا من الشيطان. فهناك حدث غريب جعل الأخوات المُستعديات يتّهمنها: ألم يفاجئنها تأكل بالخفاء؟ أية عاصفة ثارت لهذا النبأ! لكن ماذا! الشخص الذي شوهد لم يكن هي. تبيّن لاحقًا أن فيرونيكا كانت تصلّي حينها بكل تواضع في الكابيلّا، فالشيطان قد تشبّه بها من جديد ليقهرها.

هدأت عاصفة المعارضات قليلًا، ولكن الصائمة الصامدة بأعجوبة، أخذت في النحول يومًا بعد يوم. آه! لم يكن الصوم هو الذي يعذّبها فقط بل هناك كأس المرارة التي كانت تسكب نقاطها المميتة، وهناك أيضًا المقارع غير المنظورة التي تجلدها بعنف، والشوك الذي ينفذ في رأسها، وقلبها المفتوح بحربة إلهية تجعله ينزف سيلًا من الدم. وهناك جهنّم الهائجة، والطبيعة المهانة التي تحتجّ، والتي تزمجر مطالبة بحقوقها قائلة: “أنا جائعة، أنا جائعة!”. أوكلوا إليها الاهتمام بغرفة المونة والاهتمام بالمطبخ وأخذت الأطعمة التي تمرّ تحت أنظارها ويديها تصدر صوتًا لا يُقاوم يقول لها: “كُلي! كُلي!”
في حين كانت أصابعها منكمشة، ملتوية من الإرهاق والحاجة، ولكنها كانت تنحني وتلصق فمها بالتراب قائلة: “أتريد أن تأكل أيها الدنيء… كُل إذًا هذه الأوساخ!”.

الصوم المخيف هذا دام ثلاث سنوات، ثم خمس سنوات! وفي نهايته ولمدّة أشهر كثيرة، لم تعد تتناول حتى الخبز الجاف بل اكتفت بفتات البرشان، يوم لم تكن الجمعية تتناول، في ذلك الزمان، سوى مرّتين في الأسبوع: الجمعة والأحد.

فهي، تبعًا للأمر الإلهي، طلبت وحصلت على المناولة كل يوم.

فأضحى القربان المقدّس غذاء جسدها ونفسها معًا.

كم أن الله قدّوس! إن تطهير الصوم العظيم هذا كان غير كافٍ، فاقترح تطهيرًا جديدًا: الإعتراف العام.

مواضيع ذات صلة