ما هي الأعراس الإلهية التي اختبرتها مرارًا القدّيسة فيرونيكا جولياني؟
الفصل السادس
مشهد الجلجلة – الأعراس الإلهية
إنّ الاتّحاد الذي ينشأ بين يسوع المسيح والأنفس أمر مذهل. لهذا يُعطى أسماء مختلفة. القدّيس بولس يدعوه اتّحادًا عضويًّا، وفعلًا نرى أننا بالنعمة متّحدون سريًّا وحقيقة بالإله – الإنسان كاتّحاد أعضاء الجسد الواحد بالرأس.
غالبًا ما يدعو الكتاب المقدّس ذلك عهدًا. وبالفعل، فإنّ “الكلمة” لكونه عريسًا لطبيعته البشرية المقدّسة، فهو عريس النفس البارّة التي تصبح متّحدة ببشريّته. وعليه فإنّ جميع النفوس البارّة هنّ عرائسه. لكن هنالك عرائس تحمل رسميًّا واحتفاليًا هذا الإسم: هي الأنفس التي تشترط أن تنمو بلا حدود في الحبّ الإلهي، بتقديم ذاتها بالنذورات الرهبانية؟ وبين العرائس اللواتي هنّ من الصف الأول، عرائس ملكات، وهنّ الأنفس الضحايا اللواتي يأتين إلى فراش الصليب بحرارة محبّة قويّة جدًا.
المرأة، التي وُلدت لتكون زوجة، تفهم أكثر سرّ الاتّحاد الإلهي عندما يظهر هذا الاتّحاد بصورة عهد. وإنّ ربّنا الذي يتآلف مع خليقته، يستعمل مع المرأة، للتفاهم، هذا الرمز. فلا نجد في تاريخ القدّيسين سوى قدّيسات مُنحت لهنّ نعمة الأعراس السريّة.
أضحت القدّيسة فيرونيكا عروسًا، عروسًا ملكة، لأنّ مقرّها هو الصليب.
احتفل بها عريس الدم في زواج إلهي، ليس لمرّة واحدة فقط، ولكن حسب عدد المرّات التي تجدّد فيها نذرها الرهباني تقريبًا، وحسب تجدّد الاحتفالات الكبرى في ليتورجيا الكنيسة. ووَصفت هذه الأعراس المتعاقبة مُظهرة إياها أجمل أكثر فأكثر في كل مرّة، ومُحوِّلة أكثر فأكثر. لنقف عند أول عهد، إذ يستحيل علينا تعقّب ما وصَفته كل مرّة.
منذ زمن طويل والرب يعلن للقدّيسة بأنه سيحتفل معها بزواج سرّي، وهي تتأهّب له.
أمّا يومه فكان عيد فصح سنة 1694.
تقدّمت فيرونيكا إلى المناولة، وقلبها مشتعل كالموقد. فجأة صدحت موسيقى ملائكية ترتّل: “هلّمي وتعالي يا عروس المسيح”. وإذا بها تجد نفسها في حالة انخطاف عند أقدام الربّ.
الربّ جالس في الفضاء على عرش من ذهب نقي مرصّع بجواهر برّاقة لدرجة تظهر معها كل شموس العالم مظلمة قاتمة إذا قورنت به.
إلى جانب ذلك ظهر بين السحب عرش من المرمر البرّاق مرصّع بالجواهر الباهرة فاقترب من العرش الأول إلى حد الاختلاط به، وهو عرش مريم أمّ الله التي أخذت تتكلّم مع ابنها الإلهي عن الأعراس المقبلة. إنها جميلة، جميلة إلى حد الانبهار يكسوها رداء أبيض مغطّى بفصوص ألماس.
ها هنّ القدّيسات اللواتي تحبّهن فيرونيكا بتفضيل: القدّيسة كاترين السيانية والقدّيسة روز دي ليما. ها هي كتائب من القدّيسين والقدّيسات، يبدو أن الفردوس حاضر بأكمله.
راحت فيرونيكا، دون أن تعي كيف، ترتدي ثيابًا أكثر فأكثر أناقة وذلك دون التخلّي عن الثوب الساروفيمي. والرداء الأخير ناصع البياض ومطرّز بأكمله.
إتها تتحرّق شوقًا مقدّسًا، في حين تلتهم عيناها جمال الرب، ذلك الجمال الذي يستحيل رسمه بالألوان الأرضية وبريشة بشرية. إنها تجهل ماذا يرتدي، ولكن كل جراحاته تسطع إشراقًا حتى أنها اخمدت بسطوعها أنوار نجوم قبّة السماء.
رفع يده اليمنى وباركها ودعاها: “هلمّي يا عروس المسيح”، فأجابت العذراء والقدّيسات: “إقبلي الإكليل الذي هيّأه لك الرب منذ إنشاء العالم”.
خرجت عن ذاتها وارتفعت فتقدّمت ورأت في جرح الجنب المقدّس الخاتم الذي يحفظه لها العريس، فأخذه واستودعه أمّه الإلهية التي أرته إلى جميع البلاط السماوي لتُدهشهم بنقائه وسطوعه. هو من ذهب مرصّع بالعاج وفيه جوهرة حُفر عليها اسم يسوع.
ها هي بين يسوع ومريم وهما يشعّان حبورًا وفرحًا، فأشارت إليها العذراء أن تقدّم يدها اليمنى، في حين بارك الرب الخاتم ووضعه في إصبعها.
عندها بدأ عدد لا يحصى من الموسيقيين السماويين يعزفون على آلاتهم، فبدا الفردوس كله يتهلّل فرحًا كما لو في عيد.
لكن فيرونيكا لم تعد ترى إلا يسوع وحده. لقد اتّحدت العروس بالعريس إلى الأبد.
بقي الخاتم السرّي في إصبعها تارةً منظورًا وطورًا غير منظور. شهدت الراهبات في دعوى التطويب أنهن رأين الخاتم بأعينهن، وتطابقت أقوالهن كلها في وصفه.
وبعد هذا الزواج السرّي لم تعد فيرونيكا سوى أتون مضطرم: حملتها النار وبدا اللهيب كأنه خارج من عينيها وفمها وهي تحثّ، في البستان، نبات الأرض ونجوم السماء لتبارك وترتّل للعريس الإلهي.
ألا يجب أن يكون في العرس وليمة؟ الوليمة مهيّأة، ولها التصرّف بكل ما على المائدة السريّة من أطعمة: فالوليمة مؤلّفة من استحقاقات المخلّص التي تستطيع فيرونيكا، من الآن وصاعدًا، أن تتصرّف بها كلّما وكما شاءت. الوليمة مؤلّفة أيضًا من عذابات آلام السيّد، وعليها أن تجعل منها غذاء حياتها فأضحت تقول: “أيها المسيح اصلبني معك”.
لكن قبل أن يثقب يديها ورجليها بالسمات، سيخترق العريس قلب العروس.