الشيطان يأخذ شكل معلمة الابتداء ويخبر القديسة فيرونيكا باكاذيب خبيثة

6٬799

فيرونيكا جولياني

من بين الفضائل التي مارستها القديسة فيرونيكا ببطولة عجيبة ومنذ المرحلة المبكرّة من دخولها الدير، باعتبارها أساس متين لتحقيق الكمال الروحي، كانت فضيلة كشف الأعماق الكامل لمرشديها الروحيين. لكنها لم تقل كلمة واحدة عن العطايا الإلهية التي كانت تنالها منذ صغرها من الرب يسوع ومريم العذراء.

وهذا الكشف الكامل عن هفواتها وأفكارها وتجاربها أغضب الشيطان. فقام ببذل قصارى جهده لتحريض عقلها كي لا تشعر بارتياح في ضميرها ويشكّكها في صلاح رؤسائها. من تلك المؤامرات التي حاكها إبليس ضد القديسة فيرونيكا، أنه اتّخذ يوماً شكل معلّمتها في الإبتداء وقرع على باب غرفتها.

وما أن دخل حتى شعرت فيرونيكا بعدم ارتياح كبير لدرجة استطاعت بصعوبة أن تقوم بالحديث مع الراهبة المزعومة. واستغربت الأمر إذ أنها في المناسبات التي جمعتها بمعلمّتها كانت تشعر بانتعاش وسلام كبير.

تكلّم إبليس المتخفّي وقال لها: “هناك شيء واحد أرغب أن أقوله لكِ. لكن بشرط أن لا تُظهري أي تغيير في تصرّفك. لا في المعاملة ولا الكلام. وأن تعديني بأنّكِ لن لن تذكري أبداً ما سأقوله لكِ لا لمعرّفك الخاص ولا للمرشد العام. او في الواقع الى أي مخلوق آخر أيّأً كان. وسوف أتحدّث إليكِ بحريّة تامة، لأنني حريصة على خلاص نفسك. وأيضاً لأجل مصلحتك ومصلحة معرّفك الخاص، الذي لن يعجبه أن يعاني بسببك. بالتالي سوف أتحدّث إليك بصراحة تامّة.”

“لقد توقّعت أن أن يكون هناك بعض الإشاعات عنكما وهذا ما سبّب لي الكثير من الإنزعاج ولا يزال. لقد فكّرت مراراً عن كيفية معالجة هذا الشرّ، وفعلت ما بوسعي لأدافع عنكِ، بأن ما يُشاع غير صحيح. لكن الأمر اصبح منتشراً لدرجة أنّنا نتوقّع أن نسمع بأنّ المرشد العادي لن يأتي الى هنا مجدّداّ. وهذا كلّه يقع على عاتقك.”

تألّمت فيرونيكا جدّاً لسماعها هذا الكلام لكنها أظهرت عدم المبالاة وأجابت: ” فقط قولي لي ما هي التقارير التي تخصّني انا ومعرّفي. لن أدع سلامي ينزعج بسببها. لأنه إذا كانت هذه التهم صحيحة، فسأسعى لتصليح سلوكي. وإن كانت غير صحيحة، فالحقيقة سوف تُثبت ذاتها. بالنسبة لي، دعيهم يتكلّمون حسب مشيئتهم، لن يُزعزع ذلك ثقتي به (بمعرّفها) لقد منحني الرب نعمة أن أصرّح له بكل ما يمرّ في داخلي. وهذه الممارسة أعتزم على مواصلتها في المستقبل.”

كان هذا أفضل ردّ يمكن أن تقوله قدّيستنا الأمينة. لا يمكن تصوّر خزي إبليس من جوابها هذا. لكنه لم ييأس. أجابها بأنّها لا تستطيع أن تصرّح بما قاله لها الى معرّفها، ولا حاجة للتقدم من سر الاعتراف، إلّا في حالة الضرورة، مثل وجود أمر في ذهنها من شأنه أن يعيقها عن التناول.

اضطربت القديسة فيرونيكا لكنها لم تُظهر ذلك وصمتت بانتظار المزيد من الإيضاحات. استأنف المجرّب المتخفّي بمظهر معلّمتها في مؤامرته وأضاف: “لا بدّ لي من القول أن مساء أمس كنتما موضوع الحديث الوحيد في الدير. جميع الراهبات كُنَّ مصدومات. لم يُفكّرن أبداً بمثل هذا الأمر. انا في الحقيقة أشعر بالخجل أن أذكر ذلك، لكن يُقال أنّ بينك وبين معرّفك نمت علاقة حميمية تعدّت الأمور الروحية ووصلت الى حافّة الخطيئة. علاوة على ذلك قد يُرضي الله أن توضعا تحت التكفير عن الذنب الشديد. لكن هذا من شأنه أن يكون عاراً كبيراً على الدير. لقد حاولت كثيراً إسكات الأمر بقولي أنني سأعالج الأمر معك”.

“لذا أعتقد أنه من الأفضل بأن لا تقابليه بعد اليوم. وبالنسبة لحالتك الروحية، إسعي للتصرّف مثل أي شخص عادي، بإبقاء الأمور لنفسك. إحرصي على عدم البوح بكلمة من كلّ ما قلته لك. لا تذكريه لمعرّفك الخاص ولا للمرشد العام. إنني أضعك تحت أمر الطاعة. لن تجدّدي الحديث عن الأمر حتى معي، لأنني أشعر بأنه أمر مزعج وبغيض. لذلك أمرك بالإمتناع عن أي إشارة عن الموضوع عند اجتماعك بي في المستقبل. سوف أشعر بأنني متأكّدة من طاعتك، ولا تنبسي بحرف واحد الى معرّفك.”

“لن أقول شيئاً لأحد” أجابت فيرونيكا. “سأرسل فقط الى الأسقف، وأطلعه على كل ما جرى بيني وبين معرّفي. هو سيكون القاضي فيما يجب القيام به. وسأعيد عليه كلّ ما قلته لي. راعني بالتأكيد أنّ الأخوات قادرات على تصوّر مثل هذه الشكوك السخيفة بحقّ خادم الله الصالح (تقصد معرّفها). دعيهم يقولون بشأني ما يسرّهنّ، فأنا أستحقّ هذه المحنة.”

هذا الجواب أغضب إبليس المتظاهر بشكل الراهبة وقال بسخط: “قلت لك من قبل وأقول ثانية، لا تذكري الأمر الى أحد. الأسقف؟ معاذ الله أن يصل أذنيه هذا الكلام. إفعلي ما قلته لك وكوني بسلام. لا تتوجّهي اليه (معرّفها) لا تتحدّثي معه وكل شيء سيكون على ما يرام.”

قال إبليس المخادع ذلك وترك غرفتها. في تلك اللحظة دقّ الجرس لصلاة الفرض. فخرجت فيرونيكا للحال متوجّهة الى الكنيسة. فرأت معلّمة الأبتداء الحقيقية عند الدرج، فاستغربت كيف استطاعت أن تصل قبلها. لكنها لم تجرؤ أن تسألها. شعرت بقوة تدفعها الى الذهاب الى معرّفها وإبلاغه بكل ما جرى، وبعد صراع طويل قرّرت أن تقوم بذلك.

عندما سمع منها معرّفها، فكّر مطوّلاً في الأمر. فراوده الشك في حقيقة الأمور فنصح فيرونيكا بالذهاب الى معلّمة الإبتداء كالعادة، وأن تقود الحديث بشكل غير مباشر الى الإتّهامات المذكورة. ما أن سمعت المعلّمة كلمات فيرونيكا الأولى حول الموضوع حتى أجابتها بحزم وجدّية: “أخرجي هذه الأفكار من رأسك، فمن المستحيل أن أيّا من الأخوات يمكن أن تقول مثل تلك الأمور. لا تتعبي نفسك، لأني لم أسمع أبداً إحداهن تقول أي شيء من هذا القبيل”.

شعرت فيرونيكا بسعادة غامرة، وعادت الى معرّفها الذي اقتنع حينها بالخدعة التي تآمر بها الشيطان وشجّعها على كشف كل ما في داخلها وبعدم إخفاء اي صغيرة عن معرّفيها والمسؤولين عنها. أعطتها معلّمة الإبتداء التوجيه ذاته بعد أن سمعت القصة بكاملها. كل هذا عزّز القرار المقدّس للقديسة بأن لا تخفي شيئاً عن مرشديها الروحيين.

مواضيع ذات صلة