عمل الله من خلال القربان الأقدس في قلب وفكر القديسة فيرونيكا جولياني
تمتّعت القديسة فيرونيكا جولياني بشركة عميقة على نحو غير اعتيادي مع الله. فيما يلي ما كتبت في يومياتها محاولة منها أن تضع في كلمات، تجربتها الفريدة في الحضرة الإلهية:
“بينما كنت على وشك الذهاب لتناول القربان الأقدس، بدا لي انني منفتحة مثل باب شُرّع على مصراعيه لاستقبال صديق حميم، ثم إُغلق بشدّة بعد دخوله. لذلك كان قلبي معه وحده- وحده مع الله. من المستحيل سرد كل النتائج، المشاعر، القفز بهجة والإحتفال الذي اختبرته روحي. إن أمكن الحديث، على سبيل المثال، عن كل الأوقات السعيدة والممتعة التي نتشارك بها مع أصدقاء أعزّاء… أقول أنها لا شيء نسبة الى هذا الفرح. وإن جمعت كل مناسبات الفرح في الكون، أقول أن كل تلك الكمّيات قليلة جداً أو لا تُعدّ بجانب ما بلحظة واحدة اختبر قلبي في حضور الله. او بالأحرى ما يصنع الله بقلبي، لأن كل هذه الأشياء تنبع منه وهي عمله.
الحبّ يجعل القلب يقفز ويرقص.
الحبّ يجعله يتهلّل ويبتهج باحتفال.
الحبّ يجعله يغنّي ويصمت حسبما يشاء.
الحب يضمن له الراحة ويمكّنه من العمل.
الحبّ يملك عليه ويمنحه كل شيء.
الحبّ يسيطر عليه بالكامل ويسكن فيه.
لكنني غير قادرة على قول المزيد لأنني إذا أردت أن أجمع كل المفاعيل والنتائج التي يختبرها قلبي في فعل التقرّب من المناولة وأيضاً في أحيان أخرى غيرها، لن أنتهي من قول كل شيء. يكفي أن أقول أن القربان الأقدس هو قصر الحبّ بذاته.
“يصبح القلب ملتهباً أكثر من اي وقت مضى، عندما يرى نفسه مسكن ومكان راحة الثالوث الأقدس، وعندما يجيء اليّ يسوع في السر الأقدس وأسمع هذه الكلمات” السلام لك يا هيكل كل الثالوث!” عندها يتوسّع قلبي ويضطرم.
حينها أسمع ألحاناً عذبة ، وأذوب في موسيقى سماوية. حتى عندما أكون منهمكة في واجبات العمل، أجد نفسي مستعدة للقيام بأي شيء. أحيانا تدفعني رغبات قوية جداً أن أسبّح الله وأمجّده بحيث يغرم قلبي بترجمتها الى كلمات. بماذا أدعو وأمجّد الخير الوحيد الأعظم. بقدر ما أدرك، لا أجد اكتفاء ورضى في اي شيء ما عدا المعاناة المطلقة. حينها يبدو لي أنّني أحمل أزهاراً رائعة منقطعة النظير تطوّق صليبي. وهذا يجعلني اشتهي ثماراً معها، وهذه الثمار هي المزيد من المعاناة”.
هذا التعبّد للقربان الأقدس كان ينمو فيها منذ طفولتها . رغم صغر سنها آنذاك كانت تُدرك بشكل تام أن الرب يسوع موجود بكامل جسده ودمه وروحه ولاهوته في القربانة المكرّسة. يجب علينا أن لا نغفل عن حادثة هامة التي وقعت حين كان عمر قديستنا أربع سنوات تقريباً. مرضت أمّها مرضاً خطيراً مما أدى الى استدعاء الكاهن ليمنحها المسحة الأخيرة ويناولها القربان الأقدس. منذ لحظة الكشف عن القربان نظرت القديسة الصغيرة اليه بعيون تشعّ بنور سماوي وناشدت الكاهن ان يناولها هي أيضاً.فزجرها الكاهن بجدّية “إنه لأمّك”.
لإرضائها قيل لها انه يحمل قربانة واحدة لكن الفتاة المستنيرة بلا شك من السماء أجابت على الفور “ليعطني قطعة صغيرة فقط، وسآخذه بأكمله. تماماً كما المِرآة حين تُكسر الى العديد من القطع. كل جزء منها سيعكس الجسم كله مثلما فعلت المِرآة قبل أن تُكسر. هكذا يسوع سيكون كلّه في القطعة الصغيرة كما هو في القربانة الكاملة”. امتلأ جميع الحاضرين دهشة من جوابها اللاهوتي.
يومياتها تُظهر بوضوح دور الإفخارستيا في حياتها الذي أطلقت عليه اسم “إختراع الحب”. وهنا يجب أن نأخذ بعين الإعتبار أنه في وسط أرفع مسرّاتها الروحية لم تزهو ولم تشتهي سوى المعاناة والمزيد من المعاناة دون أي قطرة من الحلاوة وكل هذا من خلال حبّها لعريسها الإلهي. وهذا دليل يقين على عمل روح الله.