القديسة فيرونيكا جولياني تعيش حياة الطاعة ببطولة عجائبية
نصل اليوم في الحديث عن الفضيلة التي هي الأمّ والأصل المثمر لجميع الفضائل الإخرى. التي أوضح البابا القدّيس غريغوريوس: الطاعة وحدها هي التي ترسّخ دائرة الفضائل في النفس، تحفظها وتدرّبها على الكمال. الطاعة هي وليدة التواضع، إذ ليس سوى المتواضع الذي يمكنه إخضاع إرادته وفهمه لله والبشر. كانت طاعة فيرونيكا حقّاً في بذل وتسخير الإرادة والعقل، ليس فقط لله ولكن لممثّليه سواء رؤسائها أو مرشديها الروحيين.
هاكم مثال على طاعة القديسة فيرونيكا، والتي نجدها في كتاباتها عام 1696:
“يا رب، أرغب في إرضائك، وأن أتمّم مشيئتك المقدّسة. إن كنت ترى، أنّ هناك شيئاً يا إلهي من اختياري في هذه الرغبات، إنزعها بعيداً، خلّصني منها… إلهي، لتكن مشيئتك. إني أرضى في ان أكون بالظلام، وأن أُعامل بحسب رغبتك. لكني أتنازل فيما كنت ستُظهر أو تخفي ذاتك عنّي، وأعتزم دائماً على البقاء معك”. لم تكتفي القديسة فيرونيكا بهذا الإعلان، فوقّعت عقداً لهذا الغرض بدمها.
لا نقصد التحدّث عن الطاعة التي هي التسليم لله ولوصاياه. ولا عن التقيّد الدقيق بتعاليم الكنيسة المقدّسة. ولا عن تطبيق الإرادة الإلهية. كل ذلك يأتي في فضيلة الإحسان، إذ لا يستطيع أحد أن يقول أنه يحبّ الله دون أن يعمل بوصاياه ومشيئته. أما الطاعة التي نتحدّث عنها فهي ما كانت تقوم به نحو رفاقها المخلوقات بصفتهم وكلاء مفوّضين من الله.
تلك هي أكبر تجربة للكبرياء البشري، وقد مارستها القديسة فيرونيكا الى حد عجيب. لا نقصد عن فعل الطاعة، بل عن موافقة الفهم والإرادة. لكي تقوم بذلك على أعظم وجه من الكمال، طبعت في ذهنها، كما يُعلمنا معرّفها الأب نيلفي، وكانت تكرّر باستمرار نذر الطاعة: “إن كان الله بنفسه يأمرني بعمل شيء ما، ألا أسرِع في إطاعته؟ والآن الإلتزام هو نفسه، سواء جعل الله إرادته معروفة منه مباشرة أو من خلال رؤسائي، ممثّليه.”
مع علمنا بأن هذه هي قناعتها، لا نجد صعوبة في تصديق ما يقول الأب تاسيناري في الموضوع: “إذا كان من الممكن، فإنها لن تخطو خطوة واحدة ولن تأخذ نفَساً واحداً، دون فضيلة الطاعة المقدّسة. كما أعلم جيداً منذ فترة طويلة، من خلال المحن الصعبة التي جعلتها تخضع لها.”
ولا نستغرب من شهادة الأب غيلفي: “خلال انخطافها في 1 يناير 1727، دعتها السيّدة العذراء الى الأعراس الأبدية. فاستأذنت من العذراء القديسة وأعتذرت لأنها لم تحصل على مواقفة مرشدها. ما أن عادت الى نفسها حتى صرّحت لي بهذه الحقيقة وطلبت مني أن أعطيها الإذن بالرحيل الى المجد الأبدي. لكن عند رفضي إعطاءها موافقتي، قيّدت نفسها فوراً الى الطاعة.”
حبّها الكبير لهذه الفضيلة يبدو أكثر وضوحاً من خلال التجارب القاسية التي أثبتتها. فقد تألّمت كثيراً من الشيطان الذي حاول باستمرار إبعادها عن الخضوع لمعرّفيها ورؤسائها. بالرغم من ذلك، فالنتيجة الوحيدة من تلك المكائد كانت التوغّل أكثر في فضيلة الطاعة. منذ ذلك الوقت اعتادت أن تُذكّر نفسها: “بالرغم من العدو، ابنة الطاعة.”