القديسة فيرونيكا تزور المطهر باستمرار وتصف عذاباته المروعة وترى نفوس تعرفها

17٬678

لم تكن جهنّم المكان الوحيد الذي زارته القديسة فيرونيكا جولياني. في يومياتها كتبت الكثير عن المطهر والعذابات المروعة التي تعانيها النفوس المطهرية: “إن عذابات المَطهر مهولة، لدرجة أن ما من عقل بشري يمكنه فهمها. النار مُحرقة للغاية، قوية يمكنها بلحظة تدمير العالم مذيبة إياه كالشمع. الأنفس تُضحي وكانها ملتحمة بالنار… ما من راحة، فما أن ينتهي عذاب حتى يبدأ آخر، أقسى من الاول. نموت من الألم؛ نولد من جديد لنتألم أكثر”.

زارته مراراً وبقيت فيه لتكفّر عن الكثيرين، وذلك بأمر الطاعة لمعرّفها. من الأشخاص الذين كفّرت عنهم: ابوها فرنشيسكو جولياني، البابا كليمنت الحادي عشر، والعديد من الراهبات والكهنة.

المطهر

هنا نورد إثنتين من التجارب التي مرّت بها بخصوص المطهر، مأخوذة من يومياتها. الأولى هي من 10 سبتمبر 1700:

“بعد أيام قليلة من وفاة الأب فيتالي، في صباح واحد، بعد المناولة، رأيت فجأة أمامي ذراعاً في كُمّ ثوب فرنسيسكاني، وسمعت صوتاً يقول لي: ‘أنجديني، أنجديني!’ بدا لي الصوت حقاّ صوت الأب فيتالي، عندما كان على قيد الحياة. اختفت الرؤيا على الفور. لم أعطي الأمر انتباهاً كثيراً، فقط أبقيت في ذهني الإهتمام في أن أعمل بعض الخير لهذه النفس. بعد ذلك ببعض الوقت، في إحدى الليالي في حلم، أعتقد أنني شاهدت إثنتين من النفوس في المطهر”.

“بدا لي إن إحداها هي نفس راهبة توفّت منذ زمن قصير، والثانية لم أتعرّف عليها. إقتربت مني الروح وقالت لي: هل تعلمين من أكون؟” خفت وارتعدت. لكني جمعت شجاعة وأجبته: ‘لا أعرفك. يبدو لي أنك الأب فيتالي، لكني لا أعلم إن كان ذلك صحيحاً’ أجابني: ‘أنا هو’. وأمسك بذراعي. عندها شعرت بألم شديد كأنه يتم قطع ذراعي. وشعرت أيضاً ببردٍ كالصقيع، الذي بدا أنه لا يُطاق. واعتقد أنني سمعته يقول: ‘الآن هو وقت احتياجي’. وتعرّفت جيداً على أنه كان الأب فيتالي. لكن كان لديه صوت واضح وفرِح. ليس كما كان في صباح ذلك اليوم الذي سمعته بعد المناولة. للوقت ضغط على ذراعي بيده ثم قال: ‘لتكن العهود مصونة’. عند هذا الوقت استيقظت من نومي، وبينما كنت أفتح عينيّ، شاهدت مثل الظل يغادر غرفتي. بقي الألم الشديد في ذراعي. ولم يعد إليّ الدفء إلا في وقت متأخر من المساء. طوال النهار بقيت متخدّرة”.

الحادثة الثانية جرت في 15 اغسطس 1701:

“يبدو لي أن الديّان الأزلي منحني بركته بصليبه الذي كان بيده. وعلمت أن باستحقاقات آلامه المقدسة وبشفاعة السيدة العذراء المباركة، قد حصلت على نعمة منه. اعتمدني كوسيطة بينه وبين الخطأة، وأيضاً وسيطة وعون للنفوس المسكينة في المطهر. هاتان الوظيفتان عليّ أن أمارسهما لكل ما تبقّى من حياتي. وكان لديّ الإنطباع أنها ستكون قصيرة”.

مع ذلك نرى في يوميات القديسة فيرونيكا أنها تأتي على ذكر تلك النفس في موضع آخر:

“في ذلك الصباح، بعد المناولة المقدسة، بدا لي أن الله جعلني أفهم أن الروح المذكورة سابقاً موجودة في المطهر وتحتمل عذابات عظيمة. على الفور أُظهِر لي مكان مظلم ومرعب. أدركت أن تلك النفس موجودة في الداخل. عدت الى نفسي مع إحساس عظيم من الخوف والرعب، واعتقدت أن ذلك هو الجحيم، وليس المطهر. ساعدت نفسي بواسطة الصلاة بقدر ما استطعت”.

“في رؤية لاحقة أُظهِر لي ذلك المكان مرة أخرى وشاهدت في الوسط شيئاُ يشبه حيواناً مخيفاً. دام ذلك لحظات قصيرة، وبعدها اختفت تماماً. أدركت أن تلك هي ذات النفس وقد ظهرت لي في هذا الشكل. عدت الى حواسي مع خوف عظيم وارتعاد شديد، الذي استمر لفترة طويلة. بقي في داخلي تعاطف كبير مع النفوس المطهرية. لم أسرد كل ما شاهدت، لأني شككت في أنها رؤيا شيطانية”.
“في الليلة التالية شاهدت ذات الرؤيا مرّتين أو ثلاثة، وقالت لي تلك النفس ‘هذه ليست أموراً شيطانية. إنها حقيقة، أنا أعاني. وإن استطعتِ تصوّر معاناتي لكنتِ قضيتِ مائتة من الألم’. بدا لي أن الصوت قادم من ذلك المكان. رأيت شيئاً مثل الظلّ في اللهب يختفي هناك. فعدت الى نفسي. بقيت أشاهد هذه الرؤيا لعدة أيام. وكان يؤكَّد لي دائماً أنها النفس ذاتها”.

“في إحدى الليالي، أُظهِر لي ذلك المكان بوضوح أكبر. بان لي أنه مكان عذاب رهيب، والذي اعتقدت أنه جهنّم. لا يمكنني الشرح بالكتابة. إنه أمر جلب لي عظيم الخوف والرعب. أعتقد أني رأيت أنواعاً مختلفة من أساليب العذاب، وكانت تُعذّب نفوساً كثيرة، وجميعها في نفس الوقت. رأيت الكثير من النفوس تطفو في الجو، متعلّقة بشيء. لكنني لم أفهم ماذا كانت. واحدة من بينها كانت تتألم أكثر. وهي ذات النفس المذكورة. جعلني الله أفهم تماماً تلك العذابات التي كابدتها تلك النفس والسبب في معاناتها. التي من شأنها أن تكون نعمة بالنسبة لي لأنه عليّ إصلاح أموراً كثيرة. أيضاً كي تخدم في إرشاد الآخرين. وقد أدليت بكل شيء لمعرّفي حتى يستفيد منها لنفسه وللنفوس التي تحت توجيهه وإرشاده”.

“تلك الأمور قد أُكّدت لي في أوقات مختلفة، أثناء الصلاة ومن خلال إظهار مكان العذاب ذلك. جميع تلك الأمور جعلتني أقدّم الصلوات الى الله باهتمام عظيم لجميع الأنفس المطهرية، بالأخص لتلك النفس، في حالة أنها لا تزال بحاجة الى المساعدة”.

مواضيع ذات صلة