الآلام والإنعامات التي اعطاها الرب يسوع للقديسة فيرونيكا جولياني

3٬253

آلام فيرونيكا جولياني

الصلبان والآلام هي أفراح وإنعام

للتجاوب مع هذا المقدار الكبير من الحبّ الذي سيملؤها به الله، كان الحبّ يجعلها تقوم بضروب من الجنون. تصرخ، ترتّل، تقرع الأجراس خارج وقتها، تدعو الأخوات تركض في البستان في ساعات الليل الحالكة، تتسلّق الأشجار لتدعو الخطأة إلى التوبة… خارجة عن ذاتها، دون أن تتمكّن من قَمْع اندفاعها وحماسها. ستقول هي نفسها: «… وهكذا غير عالمة بما أقوم به، بدأتُ بجَلَد ذاتي…»

ستردّد مرارًا: «إنّ مدرسة الحبّ، الحبّ الحقيقيّ، هي الألم… والكتاب ليس سوى يسوع المصلوب». وكم مرّة سوف تُردّد: «يا إلهي! نفوس! أطلبُ منك نفوسًا» وكان صوت يجاوبها: «إشتريها بنقود الألم». وكانت فيرونيكا، باسطة ذراعيها، مُظهرَةً يديها ورجليها وقلبها، تقول: «يا ربّ، لقد اشتريتها. إنّني ضحيتك. اصلبني!»

فلنلقِ الآن نظرة سريعة على ما سألها العريس المصلوب، ومنحها إيّاه ليشابهها وليجعلها أكثر اتحادًا به، داخليًّا وخارجيًّا:

– سألها يسوع ألاّ تغتذي سوى به، (وسمح لها بالمناولة يوميًّا، في حين كان المسموح مرّتين في الاسبوع). وأمام رَفْض المسؤولين، عدّلها إلى خبز وماء. ولمّا لم يتمّ الحصول حتّى على ذلك، جعل معدتها ترفض وتتقيّأ أي طعام آخر، إلى أن وافق الرؤساء.

– طلب منها السَيْر حافية القدمين؛ وأمام رفض السلطة التي كانت تخشى التفرّد، انتفخت قدماها بشكل غير قابل للتفسير. وقد أقرّ الطبّ بعجزه عن شرح هذه الظاهرة، سقطت الموانع، ونالت الموافقة…

– جعلها تشرب عدّة مرّات كأس مرارة بستان الزيتون، وكان مُرًّا لدرجة أنّ كلّ ما يحيط بها أضحى مُرًّا بشكل مميت: الطعام، الماء، الهواء… حتّى إنّها غابت عن الوعي… ووصلت إلى ذرف دموع من دم… وارتفاع حرارتها إلى مستوى يهدّدها بالموت.

كلّلها يسوع بالشوك مرّات عدّة، مُسبّبًا انتفاخًا غير طبيعيّ في الرأس، لم يستطع الأطبّاء سوى زيادة خطورته بأساليبهم الطبيّة المؤلمة… أشواك دخلت الجمجمة، الرأس، الصَدْغين، الأذنين، العينين… حتّى إنّها سقطت أرضًا كالمائتة: «ستشعرين بهذه الأشواك طيلة حياتك تقريبًا» قال لها يسوع وهو ينْهِضُها.

– تحمّلت جَلْدًا بأيدٍ غير منظورة حتّى سالت دماؤها أرضًا…

– وضع يسوع صليبه الثقيل للغاية على كتفها، حتّى إنّ العظم بقيت ملتوية مدى حياتها، كما سيؤكّد التشريح…

– تكرار “الاعتراف العام” الصوفيّ الرهيب، حيث كان قلبها ينفطر لرؤية كلّ إهاناتها لله بقلق مميت كانت تُقدّمه لارتداد الخطأة خاصّة الذين يجدون صعوبة بالتقدّم من سرّ الاعتراف… إنّها صفحات تستحقّ أن تُقرأ، ويتمّ التأمّل بها.

لائحة صغيرة بالنِّعَم الفائقة الطبيعة التي نالتها من الربّ نفسه (20 سنة قبل وفاتها)

– خمسمئة مرّة جدّد لها يسوع ألم القلب المطعون بالحربة، جارحًا إيّاها مئة مرّة بجرحٍ خفيٍّ (وأحيانًا منظور، بشهادة الأسقف، الطبيب….).

– ثلاثًا وثلاثين مرّة جعلها تنال عذابات الآلام بكليّتها، جاعلاً إيّاها تشعر وترى الأوجاع التي قاساها هو، وهي نعمة لا يمنحها إلاّ للنفوس المختارة المميّزة.

– عشرون مرّة ظهر لها بالجسد، وهو مُثْخَن بالجراح، والدم ينـزف منه.

لكنّنا نجد أيضًا التعزيات:

– ستين مرّة جدّد لها الاحتفال بالأعراس الإلهيّة.

– حرّر يده عن الصليب ليضمّها إليه ثلاث مرّات.

– ألصق فمها على جرح قلبه تسع مرّات.

– أعطاها شرابًا مُنعشًا من جنبه الأقدس خمس مرّات.

– غسل قلبها بدم قلبه خمس عشرة مرّة.

– نزع منها قلبها اثنتي عشرة مرّة ليُطّهره من الهفوات الأكثر دنسًا.

– ضمّ نفسها مئتي مرّة إضمامة حُبّ، ما عدا الإضمامات الأخرى المنيرة التي هي شبه دائمة.

– وقد نوّرها مرّات لا تحصى بأنوار داخليّة حول الفضائل والأسرار، وحول معرفة ذاتها ومعرفة الله.

وتنتهي هي إلى القول: «لِمَ إحصاء النِّعَم الممنوحة؟ لن ننتهي من عدّها». هذا وما يزال لديها ستّ وعشرون سنة تعيشها!

ولكيما نقدّرها حقّ التقدير، نذكر أنّ أعظم القدّيسين والقدّيسات المتصوّفين قد عاشوا فقط، لبضع مرّات، ما كانت تحياه هي بتواتر وبإلفة. وبالرغم من هذا التألّم المتواصل، ومن عدم استطاعة الأسقف والمعرّف احتمال متابعة شهادتهما العيانيّة، وقد اضطرّ للهروب أمام هَوْل بعض مشاهد الآلام التي تجدّدت فيها، فإنّ يسوع فادينا ومخلّصنا المحبوب واللطيف للغاية قد قال لها: «إنّ آلامك ليست سوى شرارة من أتون آلامي».

يا لعظمة الحبّ الإلهيّ! علينا فعلاً أن نبقى صامتين ومُنسحقين أمام هذا المقدار من حبّ الله لنا، مظهرًا لنا الألم العظيم الذي أراد يسوع المسيح، الإله الحقّ والإنسان الحقّ، أن يتألّمه من أجلنا.

فلنسأل ولنتوسّل الله، باستحقاقات مريم المتألّمة والكليّة القداسة، وبحقّ عذابات القدّيسة فيرونيكا، أن يمنحنا نعمة النِّعَم: أن نمقت الخطيئة بتأمّلنا نتائجها الفظيعة فينا وفي البشريّة بأسرها. ونذكر بأن الأب بستينالي، مُعرّف الدير حينذاك، كان قد أعطاها خلال هذه الفترة، في نيسان 1693، أمر الطاعة ببدء كتابات “اليوميّات“، طاعةٍ سوف يعيد الأسقف تثبيتها.

لقد بلغت تلك النِّعم الخاصّة ذروتها في الخامس من نيسان من عام 1697، يوم الجمعة العظيمة بنيلها السمات الظاهرة: خمس شعاعات تخرج كسهامٍ مشتعلة من يسوع المصلوب وتخترق يديها، رجليها وجنبها، فتجعلها مصلوبةً مع عريسها المصلوب. إنّها الموسومة الأولى والوحيدة في الفرع النسائيّ من رهبنة القدّيس فرنسيس

مواضيع ذات صلة