إنتقال القديسة فيرونيكا أعجوبة قلبها وتطويبها

17٬980

 القديسة فيرونيكا جوليانيعندما شارفت القديسة فيرونيكا جولياني على نهاية حياتها، وقد وصلت إلى قداسة أرفع، بعث لها بعدّة ملائكة حرّاس يسهرون عليها، لكونها أضحت عرضة لهجومات جهنميّة أفزع من أي وقت آخر: “ملائكتي”، كانت تسمّيهم في كتاباتها؛ هم من كانوا يرافقونها في زياراتها لجهنم.

كانت كثيرة التعبّد وعرفان الجميل للملائكة الحرّاس، حتّى أنّها استحقّت أن يكشف الله لها الحقيقة المذهلة التالية: عند انتخاب كلّ حبر أعظم جديد، تمنحه السماء عشرة ملائكة حرّاس آخرين لإعانته. إنّه خبر أبكى من الفرح والتأثّر القديس يوحنّا الثالث والعشرين، عندما رغب قراءة ذلك بنفسه.

وإنّ مسك ختام عمليّة الصلب هذه نجدها في الأيام الثلاثة والثلاثين التي هيّأتها للموت، بدءًا من 6 حزيران، مرفقة بأوجاع لا توصف. كان ذلك بمثابة نزاع متواصل حتّى 9 تموز 1727 عندما طارت نفسها إلى السماء، فقط بالطاعة. بالفعل، فإنّ الأخوات والمعرّف كانوا يرافقونها دون أن يدركوا كيف أنّها لا تزال قيد الحياة، تنظر بتوسّل إلى الأب المعرّف. وكانت قد أوصتهنّ بحفظ قانون الرهبنة العزيز، وبالطاعة للمحبّة الإلهيّة، وبمحبّة بعضهنّ البعض؛ ثمّ جعلتهنّ يقبّلن المصلوب.

فَهِم في النهاية الأب المعرّف، باستنارة داخليّة، أنّ هذه النفس التي عاشت دومًا بالطاعة، لا تستطيع أن تموت سوى بالطاعة. فمنحها إيّاها متأثّرًا، بين نحيب الأخوات اللواتي رأينها تبتسم للمرّة الأخيرة.

وطارت نفسها المباركة إلى السماء فورًا، بيضاء كالحمامة!

وقد كانت كلماتها الأخيرة: “الحبّ كشف عن ذاته! هذا هو سبب تألّمي. قولوا ذلك للجميع، قولوه للجميع!”.

لقد ماتت القدّيسة! لقد ماتت القدّيسة!” هذا ما أخذ يتردّد في المدينة، وسط هروع الناس على دويّ الأجراس. كلّ المدينة نزحت؛ وعندما استطاع أخيرًا الشعب دخول الكنيسة، حدثت فوضى كبيرة لدرجة أنّه اضطرّ إعادة الجثمان إلى داخل الدير.

وفي الغد خلال الدفن الاحتفالي، تواجدت كلّ طبقة النبلاء، الحاكم، الإكليروس… كان ذلك تمجيدًا حقًّا. فبالرغم من حياتها الخفيّة، فإنّ صيتها وشهرتها كانا قد أضحيا شبه عالميّين منذ حينها:

يكفي أن نذكر بأنّ دوق توسكانا والأمبراطور كارلوس الثاني اضطرّا أن يكتفيا ببعث موفدين ليتوسّلا معونتها وأنوارها؛ فقط “فيولند دو بافيير” حصلت على إذن دخول الدير، فشفيت عيناها فور ما نظرت السمات.

وبدأت سريعًا دعوى التطويب، مع شهادات شفهيّة من الأخوات، المعرّفين، الأطباء… شهادات غير اعتياديّة لا مثيل لها تقريبًا. في 25 نيسان 1796 تمّ إعلان المرسوم البابويّ لبطولة فضائلها.

في 17 حزيران 1804، تمّ تطويب فيرونيكا على يد البابا بيوس السابع، وقد احتفلت شيتّا دي كاستيلّو بهذا الحدث بتهافت كبير من المؤمنين المبتهجين بإكرام تلك التي كانوا يعتبرونها فخر الكنيسة ومجد الكنيسة.

وبعد تأخير طويل، سببه كلّ تلك العداوات في الحقل الاجتماعي، تمّ تقديسها في 26 أيار 1839، من قبل البابا غريغوريوس السادس عشر، لمجد الله الآب والابن والروح القدس.

وبما أنّ إنسان اليوم العقلانيّ، يمكنه أن يعتقد، بأنّ كلّ هذه الظواهر الصوفيّة الفائقة الطبيعة، المذكورة في اليوميّات، ليست سوى توهّم نسائيّ، فلنستمع لما تقوله الوقائع العلميّة والتاريخيّة:

قبل الدفن جمع الأسقف الحاكم “طوريجياني” الرسام “أنجيلوشي”، الطبيب “بورديكا”، الجرّاح “جنتيلي”، ناظر الماليّة “فابري”، كاتب العدل الرئيسيّ، معرّفي الدير ونبلاء المدينة للبدء بعمليّة التشريح. فاستخرجوا قلب المائتة وفتحوه. كان الجرح عميقًا لدرجة أنّه كان يخترقه من جانب إلى آخر. كان متواجدًا منذ ثلاثين سنة، وقد بقيت حيّة بخلاف كلّ نواميس الطبيعة؛ وبدل النتانة التي كان يمكن انتظارها، خرجت منه رائحة فردوسيّة.

فحصوا القلب: فماذا رأوا؟ رأوا في اللحم مطبوعة، صورة ذلك الرسم الذي كانت قد رسمته القدّيسة منذ سنوات؛ وقد طُبع فيه: الصليب إكليل الشوك، الرمح والقصبة مترابطين، الكتابة، المطرقة، المسامير، راية المسيح الملك، الشعلتان اللتان ترمزان إلى محبّة الله ومحبّة القريب، سبع سيوف العذراء المتألّمة، والحرف الأول من كلّ من اسميّ يسوع ومريم، مع تلك التي للفضائل الكبرى. وأظهر التشريح أمورًا أخرى فائقة الطبيعة علاوة على الالتواء العجائبي لعظمة الكتف…

رسم لقلب القديسة فيرونيكا

هل سجّل التاريخ رائعة مماثلة لهذه؟

أضحت الأعجوبة الحيّة الآن في السماء. وبقيت معنا شفاعتها القديرة جدًّا، جسدها المقدّس، العديد من الأدوات العجائبيّة والتذكارات المقدّسة، وبالأخصّ يوميّاتها الفريدة، المدعوّة بحقّ “الكنـز الخفيّ”.

أيّها القرّاء، اعملوا على زيارتها، على معرفتها، على الصلاة لها ومحبّتها! إنّها مستحقّة ذلك فعلاً!.

مواضيع ذات صلة