إلى القديسة فيرونيكا جولياني – إهداء كتاب الآلام المتجددة
الإهداء
إلى القديسة فيرونيكا جولياني
كتب المؤلف عنك، وإليك قد أهدى هذه الصفحات. جميلة هي القبّة الزرقاء المزدانة بجواهر النجوم. ولكن الكنيسة المتوشّحة بثوب مزدان بالقديسين هي أجمل. النجوم مع كونها زينة السماء، فهي غير متساوية الأشعة وغير متساوية الكبر والعظمة. بعضها يظهر مشعّاً تحت أنظارنا كالشمس التي هي روح الأرض، والبعض الآخر يظهر مثل غبار ذهبي ينتشر في رحاب الفضاء؛ لكن العديد مما هو أكثر جمالاً وأشدّ تألّقاً وحرارة خفيّ عن نظر الإنسان، وغارق في اللانهاية.
يشرق القديسون، زينة النعمة، بغير مساواة في سماء التاريخ. يشعّ البعض بنوره وينعشنا بحرارته. يرسل لنا البعض الآخر أنواراً خافتة. هل أنهم أقل عظمة؟ أليسوا أكثر بُعداً؟ هناك من هم الصورة الحيّة لأوجه كمال المسيح، وانعكاس أعظم لجمال الله، ومع ذلك فهم مجهولون.
أنت، أيتها القديسة فيرونيكا، من هذا الرعيل.
قيل أنّكِ لستِ قدّيسة فحسب، بل أنتِ قمّة القداسة، مع أنّك غير معروفة. (البابا بيوس التاسع ولاوون الثالث عشر).
قيل عنك إنّه ما من خليقة بشريّة، ما عدا أم الله، ازدانت بمواهب فائقة الطبيعة مثلكِ، حتّى أنّكِ جمعتِ في ذاتكِ النِّعَم العظمى الموزّعة على أكثر القدّيسين شهرة. ومع ذلك فأنتِ غير معروفة.
قيل – كما بأصواتٍ علويّة، أنّكِ قاهرة الجحيم ومُحرّرة المطهر وموزّعة ثروات السماء. ومع ذلك فأنتِ غير معروفة.
وقيل – أصوات إلهيّة – إنّ حياتكِ يجب أن تشتهر في العالم كلّه لتثبيت الإيمان، لانتصار المحبّة. ولا تزالين غير معروفة.
بأمر الطاعة كَتبتِ عشرة مجلّدات ضخمة، حتى ليمكن أن يحسدكِ عليها كبار المعلّمين. ومع ذلك لا تزالين غير معروفة.
قد أوحت قديسة كبيرة ومعروفة ومحبوبة لدى الجميع الى المؤلّف، كما يعتقد، أن يجعل صورتك واسمك مشهورين. وقد اختيرت سنة 1927 أحسن اختيار لإحياء ذكرى دخولك في المجد.
تعمّق الكاتب جاهداً في مؤلّفك الواسع وفي يومياتك وملاحظات معرّفيك، واستوحى من الذين كتبوا قبله عن حياتك، واطّلع ونقّب في روما نفسها في ملف دعوى تطويبك، وزار مهدك في مركاتللو، وقبرك في دير شيتا دي كاستيللو حيث اجترحت وصنعت كثيراً من العجائب. قبّل آثار خطواتك، قبّل أدوات التوبة والتكفير المرعبة، وقبّل تلك العصائب الموشّحة بالدم من سمات جراحاتك، وقبّل الأثواب الموشّحة بدم قلبك المطعون بحربة الحبّ، ورأى تلك القباب التي لامستها جبهتك خلال ساعة الانخطاف، وكرّم مطوّلاً ذاك الجسد المكرّس الذي اخترقه ألف جرح، ذاك الجسد الذي هو هيكل نفس اقترن بها الله نفسه أمام البلاط السماوي كله في أعراس سريّة. عيونه وقلبه ملأى منك، ولع حاجة تتدافعه: إظهارك.
الشمس، هذا الجرم الأقرب إلينا، هي لنا نبع حياة، تدفّئ الجوّ، تُخصب الأثلام، تُنضج سنابل القمح وعناقيد الكرمة؛ وهي لنا نبع فرح: توشّح الأفق بالأرجوان، تجعل الريق مزهراً، وتكسو الغابات بغطاء نضر، تُطوّق اليمامة بطوق من الجواهر، والحساسين بعقود حول أعناقها.
وأنت يا كوكباً ضائعاً في الأغوار، لقد أراد المؤلّف أن يُقرّبك من الأرض لكي تسطع النفوس بواسطة إشعاعك، بجمال الله الذي أنت صورته، وتنتعش بمحبّة الله التي تتّقدين بها.
للأسف! لن يبرزك كلّك، إنما شعاعاً بسيطاَ من نور وجهك، وقطرة بسيطة من أوقيانوس حياتك، آملاً أن يحبّب هذا الشعاع بالمصدر الذي انبثق منه، وهذه القطرة بالأوقيانوس التي خرجت منه، وأن تستحمّ تلك النفوس في هذا المصدر، وتغوص في هذا البحر. إنه لواثق بأن حياتك الفذّة ستكون للجميع مثلاً وحافزاً. ما من أحد يختار مواهبه، وما من أحد يختار طريقه. الله هو الذي يدبّر العالم. تنفتح اليد للخيرات التي يمنحها، وتسير الأرجل في الدرب التي يخطّها.
مواهبك مدوّية خارقة، لكن القرّاء، أبعد من أن يحسدوها، وسوف يسبّحون الله الذي أغناك بغناه.
دربك هو الأسمى لأنك ارتقيت قمم الصليب الأكثر وعورة، وذرى الحبّ الأكثر روحانية. والقرّاء، بعيدين عن أن يداخلهم اليأس لرؤيتهم إياك متعالية بفضائلك البطولية، سوف يتابعون دربهم بنفس أكثر شجاعة وقدم أكثر سرعة.
ولدى الكاتب رغبة: أن يقوم آخرون ويكتبون عن حياتك بشمولية أكبر وأمانة أكثر، وأن يرقد هذا الكتاب في الليل، فيطلع عليك النهار، أيتها القديسة الكبيرة، ويُظهرك تشريفاً للكنيسة وتمجيداً لله.