التعبّد لمريم شريكة الفداء ودورها في حياة فيرونيكا جولياني

3٬311

مريم العذراء وفيرونيكاالتعبّد لمريم الكليّة القداسة يجب أن يبلغ ذروته، بحسب التعليم المريمي الأسمى للقدّيس “لويس ماري غرينيون دي مونفورت”، في كتابه الشهير “التعبّد الحقيقيّ…”، من خلال التكرّس الشخصيّ والجماعي الكامل للعذراء مريم الكليّة القداسة:

 أ – تعليم هو ثمرة النضوج والتعمّق المستمرّ للمدرسة الروحيّة الفرنسيّة المؤسّسة على سرّ التجسّد؛

ب – استسلام وثقة كاملة بتلك التي تعرف يسوع أكثر من الجميع، بتلك النعمة التي تستطيع أن تقودنا إلى الطريق الأكثر أمانة واختصارًا، نحو ابنها المبارك، والتي أسلم يسوع ذاته بكليّتها إليها.

والجدير بالذكر، أنّ البابا يوحنّا بولس الثاني، توقّف مجدّدًا عند هذا التعليم، فتشرّبه، وتعمّق فيه ساعيًا إلى تحقيقه، وأهداه إلى العالم بأسره في ندائه الشهير “كلّي لك”، وبتكريسه العالم بأسره والألفيّة الثالثة لقلب مريم الطاهر، داعيًا الجميع مرارًا لقراءة علامات الأزمنة، ولفهم هذا التكرّس وتطبيقه بحسب طلب العذراء مريم في فاطيما.

وبفضل العناية الإلهيّة، وبشكل يدعو للعجب، احتلّ شخص مريم ودورها الإلهيّ الفاعل، مكانة بارزة في اختبارات القدّيسة فيرونيكا، حيث نعثر في كتاباتها على الكثير ممّا يصحّ قوله في هذا الشأن. وبذلك استحقّت أن تُدعي “رسولة مريم” وليس فقط “تلميذة مريم”، وفق ما ورد في “يوميّاتها”.

كان لمريم العذراء دور “كاسح” في حياة فيرونيكا. فكلّما أوغلنا في تصفّح تلك “اليوميّات”، يتأكّد لنا أنّ مريم الكليّة القداسة، كانت في نظرها، وبشكل واضح لا يرقى إليه الشكّ، وسيطة كافّة النِّعَم وشريكة الفداء، وقد أوحي لها ذلك من السماء بوضوح تامّ. فليس عجبًا أن تبلغ قدّيستنا الذروة في التكرّس لمريم العذراء، على المستوى الشخصيّ كما الجماعي.                                                                 فقد رأينا كيف أنّها وهي لا تزال طفلة، كانت تتوجّه بإلفة نحو العذراء مريم، عندما كانت تبتغي الطفل يسوع، أو تبتغي إطعامه، فتنال مرارًا ما كانت تطلبه؛ وكيف أنّها قد سمعت من فم العريس الإلهيّ، كما من فم مريم الكليّة القداسة: “أنت المفضّلة لديّ”.

علاقة فيرونيكا بمريم كانت تنمو باطّراد، خاصّة بعد نيلها السمات، لدرجة أنّ تعبّدها لمريم “احتلّ أو كاد، المكانة نفسها التي هي ليسوع” على حدّ قول الأب لازارو ايريارت”، وهو أحد الباحثين المعروفين برصانتهم، وبتوخّيهم الدقّة والموضوعيّة، بعيدًا عن العاطفة والهوى. والأب نفسه، يسرع إلى توبيخ ما يرمي إليه، قائلاً إنّ هذا “الاحتلال” هو حالة إيجابيّة لصالح “الوصول” إلى يسوع بطريقة أكثر أمانة وسهولة.      يوجد في يوميّات القديسة فيرونيكا، هذا “الكنـز الخفيّ”، مواد تعليميّة أكيدة، وربّما فريدة، ستكون ضروريّة جدًّا للمساعدة على بلوغ الأهداف التالية البالغة الأهميّة في تاريخ الخلاص:

– مريم وسيطة كافّة النِّعَم وشريكة الفداء.

– ضرورة التكرّس لقلب مريم الطاهر.

إليك، عزيزي القارئ، هذه المقاطع المختارة:                                                                                              – في 1 تشرين الثاني 1702، تلقّت فيرونيكا بالفعل وشاحًا عجائبيًّا، لا يزال يُحتفظ به في دير شيتا دي كاستلّو، أثناء دعوتها إلى أن تضيف إلى اسمها الرهبانيّ: فيرونيكا ليسوع ومريم، ليسوع المصلوب ولمريم العطوف. لقد كُتب لفيرونيكا أن تختبر عذابات الفادي، و”أوجاع شريكة الفداء”.  

– كانت تُملي على فيرونيكا ما يجب أن تسجّله في كتاباتها. وكانت تعطيها المناولة كلّ أيّام سجنها، طوال فترة الامتحان المفروض من محكمة التفتيش… وكانت تناولها في الأيّام التي كان يُحظّر على الجماعة أن تتناول فيها. بواسطة مريم كانت تشفي الأخوات المرضى… وبإيحاء من مريم يوم عيد التقدمة سنة 1708، كرّست ذاتها احتفاليًّا للعذراء… في 28 تشرين الأول سنة 1711، بحضور القدّيس فرنسيس والقدّيسة كلارا، أعطتها العذراء خاتمًا مطبوعًا عليه اسم مريم ودعتها “ابنتي الأعزّ بين كلّ بناتي”.
ثمّ قدّمت لها كأسين: إحداهما تحتوي دم يسوع، والأخرى مليئة بدموع مريم. كأسان قدّمتهما القدّيسة للآب الأزليّ حاصلة منه على كافّة أنواع النِّعَم، فأشركتها مريم بالآلام التي اختبرتها على أقدام الصليب، وبالسيوف التي اخترقت قلبها…                                              

فيما يلي بعض ما كتبته القديسة فيرونيكا جولياني عن دور مريم في حياتها:

– “… كان يبدو لي بأنّ الحبّ اللامتناهي كان يختطف قلبي إلى قلب مريم الكليّة القداسة، الذي هو نبع وبحر يحتوي نارًا من الحبّ الحقيقيّ؛ وبأنّ نفسي غارقة في الحبّ الإلهيّ، من خلال قلب مريم الكليّة القداسة… الذي كان يجعلني أدرك من خلال التواصل، أنّها كانت تبثّ فيّ شيئًا من الذي كانت تشارك هي به، عندما كان الكلمة الإلهيّة يتواجد في أحشائها. آه! يا لمحبّة مريم الكبيرة!” (25 أيار 1717: اليوميّات، III، 922-924).

– “… تغلغلت النفس واختبرت أنّ مريم الكليّة القداسة قد فعلت هي أيضًا الشيء نفسه. فتقواها هي متطابقة بالتمام حتّى الانصهار مع الرحمة الإلهيّة؛ وكلاهما بكاملهما لصالح نفسي؛ والنفس تُضحي ثابتة وواثقة بكليّتها بالله وبمريم الكليّة القداسة. وقد تمّ هنا اتّحاد القلوب الثلاثة في واحد، واتّحاد الإرادات الثلاثة في إرادة واحدة فقط، إرادة الله…” (12 تشرين الأول 1712: اليوميّات، IV، 112).  

– “لدى هذا التثبيت، شاركت نفسي لأجلك بفعل شكر لله، وقد منحك الله الفاعل الدعوة أثناء ذلك، وثبّت نفسك كمختارة بين المختارين. فتمّ إقامة عيد في الفردوس لأجل هذا التثبيت الذي تمّ، وأنت بقيت مرتبطة بإرادة الله. فبدأ فيك تذوّق الفردوس مسبقًا…” (25 آذار 1727).

– “… حينئذٍ، شعرتُ بألم جديد من آلام مريم، كما في العادة أن يحدث معي ليلاً… وقد تمّ تجديد الصلب، وبالنهاية، تجدّدت آلام مريم… وكانت مريم الكليّة القداسة تشير نحو الختم، فكنت أدرك بأنّ كلّ خير كان يتواجد هناك، حيث السجلّ، أي أنّ في قلب مريم يتواجد نبع كلّ النِّعَم…” (يوميّات III، 584).

مواضيع ذات صلة